الصفحات

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

التنكيل بالعمال.. حصاد الخصخصة

 

التنكيل بالعمال.. حصاد الخصخصة

  شادي عمر الشربيني



في شركة يونيفرسال للأجهزة المنزلية،  تلك الشركة التي رأينا اعلاناتها التليفزيونية كثيرا وخاصة في رمضان، واصل نحو ألفين من عمالها إضرابهم عن العمل لليوم الثالث على التوالي، في المنطقة الصناعية الثانية في مدينة السادس من أكتوبر، بعد فشل المفاوضات بين ممثلين عن العمال ورئيس مجلس الإدارة بوساطة من ممثلين عن وزارة القوى العاملة.  سبب إضراب العمال تأخر صرف أجورهم لأكثر من شهرين، لكن رئيس مجلس الإدارة، يسري قطب، عرض خلال المفاوضات، صرف نصف أجر شهر واحد مقابل فض الإضراب والتفاوض لاحقًا على جدول زمني لصرف بقية المستحقات، وهو ما رفضه العمال.

  هذا الإضراب يفتح أعيننا على الاوضاع المزرية للعمال، أزمة الأجور في الشركة بدأت عام 2019 بتأخير صرف المرتبات، وهو ما أفضى إلى إضراب وقتها في الشركة تدخلت على إثره وزارة القوى العاملة ووافقت على صرف نصف المرتبات من خزينتها لمدة ستة أشهر، وبعدها بدأ صرف الرواتب على دفعتين لمدة ثلاثة أشهر، ثم تأخير المرتبات بحيث لا يتقاضى كل العمال أجورهم في وقت واحد، وقَبِل العمال بهذا الوضع مقابل الحصول على المرتب نفسه دفعة واحدة، لكن الوضع لم يدم على هذا الحال، وبدأت الإدارة في صرف مرتب العامل الواحد دفعات، وصلت في بعض الأحيان إلى ست دفعات، إلى أن بدأ انقطاع المرتب تمامًا من يوليو الماضي وإلى الآن، حسبما قال عدد من عمال الشركة لـ موقع «مدى مصر» الاخباري. والملفت للنظر أن رئيس مجلس الإدارة، قد سبق وقال في تصريحات صحفية العام الماضي، إنه لا ينوي تخفيض أجور العمال على خلفية تداعيات أزمة كورونا بل ينوي زيادتها، «لكن العكس هو ما حدث في واقع الأمر» كما يقول أحد العمال، مضيفًا «المرتبات خُفضت للنصف لمدة أربعة أشهر، هي تلك الأشهر التي توقف فيها العمل بداية من أبريل من العام الماضي وحتى أغسطس من نفس العام».

  عامل آخر، قال إن عدم انتظام صرف الأجور وصل إلى حد أنه لم يتقاضَ أي أجر منذ ما يقرب من شهرين حتى الآن، مضيفًا «أعمل في الشركة منذ 17 سنة ولا يتجاوز أجري ثلاثة آلاف جنيه»، مضيفًا «يُفترض أن نحصل على حوافز  تبلغ 700 جنيه، لكن هذه الحوافز تصرف دومًا منتقصة، وبالنسبة لي لا تزيد أبدًا عن 380 جنيه». لكن هذه الحوافز نفسها انقطعت منذ مايو الماضي، كما يقول عامل آخر يعمل في الشركة منذ 11 سنة ويتقاضى 2400 جنيه، أي أن أجره الحالي يمثل بالكاد الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص، والذي حُدد من قِبل المجلس القومي للأجور قبل عدة أشهر.(1)

  الامتناع عن صرف الأجور للعمال، فضلا عن ضالة تلك الاجور وتفاهتها في ظل التصاعد النفجاري في اسعار السلع والخدمات، يكشف عن حال العمال في احدى أكبر مصانع وشركات القطاع الخاص، فما بالنا بالشركات الأخرى!!

  لقد فشلت «القوى العاملة» في منع تسريح عمال المناطق الصناعية، وبسبب ذلك يعيش أكثر من 200 ألف عامل بالقطاع الخاص وأسرهم بالمنوفية والجيزة والشرقية والاسكندرية، أسؤ فترات حياتهم، حيث تعمد أصحاب المنشآت ومصانع المناطق الصناعية في تلك المحافظات، تأخير صرف رواتب العاملين منذ أكثر من عامين، وقبل أزمة جائحة كورونا، ولكن الأزمة تفاقمت بشدة مع حلول الجائحة خصوصا في شهر فبراير الماضي.

  ففي المنطقة الصناعية بقويسنا، بالمنوفية، أكد العاملون ببعض المصانع أنهم لم يتقاضوا مرتباتهم منذ عام 2019، وأصحاب المصانع يجبرونهم على الاستقالة بدون مقابل، سوى صرف 3 أشهر من مرتباتهم الاساسية بدون حوافز أو مكافآت، علما بأن متوسط المرتبات في المناطق الصناعية بقويسنا حوالي 2400 جنيه، ما يعني أن العامل سيحصل على مبلغ أقل من 10 آلاف جنيه في مقابل الاستغناء عن وظيفته وتقديم الاستقالة ولا يجوز له مطالبة الشركة أو المصنع بأي مستحقات أو يقاضيها بموجب إقرار يكتبه على نفسه مع الاستقالة غير المسببة. وقي منطقة أكتوبر الصناعية، بلغت عدد الشكوى اليومية بوزارة القوى العاملة من تعسف أصحاب المنشآت ما يقرب من 150 شكوى يومية، بمعدل متوسط 4000 شكوى شهريا ضد أصحاب العمل، وهي نسبة كبيرة تؤكد على تدهور أوضاع العاملين وتسلط أصحاب العمل.(2)

   

 المعاناة وحياة العذاب الدائم التي تعيشها الاغلبية العظمى من عمال مصر، هي حصاد مباشر للخصخصة وتدمير القطاع العام. كان وجود قطاع عام واسع ومؤثر وقائد يعطي العمال حقوقهم بشكل معقول، يصنع توازن في سوق العمل المصرية، ويدفع القطاع الخاص بدرجة أو بأخرى لانتهاج مسارات معتدلة تجاه عماله. ومع الخصخصة والرسمالة أصبحت الدولة خالية من أي سلاح في مواجه الملاك وأصحاب العمل، بل واصبحت منحازة لهم ضد العمال في الغالبية العظمى من الأحوال، فالعمال يسجلون يوميا تخاذل المسئولين بالمدريات ووزارة القوى العاملة أمام أصحاب العمل بشركات ومصانع القطاع الخاص، لذلك لا يجد العمال المتضررون أي حلول عند هؤلاء المسئولين، والأمر يقتصر فقط على التسويف والوعود الكاذبة. كما بشير الكثير من الخبراء إلى وجود ثغرات كثيرة في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، يستغلها أصحاب العمل للتنكيل بالعمال لديهم، وتغل يد وزارة القوى العاملة في محاسبتهم والزامهم بسداد حقوق ومستحقات العالمين لديهم. وأخيرا فإن أنشغال الدولة والحكومة في مصر باقتصاد الزفت والخرسانة (الطرق والكباري والعقارات) واهمالها المزري للقطاع الصناعي خصوصا بعد تفاقم الضغوط على هذا القطاع منذ أكثر من عقد وزيادة الأمور تدهورا مع أزمة جائحة كورونا، خفض بشكل حاد من قدرة هذا القطاع على استيعاب العمال وتسبب في انهيار قدراته التشغيلية، في الوقت الذي تتباهى به الحكومة بمعدلا ت نمو وهمية وعبثية!!  

  

  إن النار تلتهم السلم الاجتماعي بل والقدرات الحقيقة للنمو والتقدم والتطور في مصر بشكل متزايد، والدولة إما أنها تلتهي عن تلك النار أو تحاول أن تخفيها بحفلات ترويج وأوهام وتلفيقات مهينة لأي عقل ومنطق. وذلك سيظل حال في مصر، طالما تم الاستمرار في اتباع اجندات صندوق النقد الدولي والرأسمالية العالمية.

 

(١) مصدر الخبر والمعلومات موقع مدى مصر.

(٢) تحقيق بعنوان "«القوى العاملة» تفشل في منع تسريح عمال مصانع المناطق الصناعية" - جريدة صوت الملايين  العدد 285 بتاريخ 15/9/2021.

هناك تعليق واحد:

  1. فعلا .. اذا سؤلك عن العمال فقل لهم قد مات جمال .. مقولة صحيحة .. هذا حال عمال مصر بعد وفاة الزعيم عبد الناصر

    ردحذف