11 سبتمبر.. من أشباح المؤامرة إلى الهزيمة الأمريكية
شادي عمر الشربيني
حتى وقت قريب، كان يعتقد الكثيرون أن الإمبراطوريات من بقايا الماضي. لكن فجأة، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، الحرب العالمية على الإرهاب وغزو العراق، عادت مسالة القوة الإمبريالية إلى مركز النقاش: يبدو أننا الآن نواجه إمبراطورية أمريكية جديدة ينظر إليها الكثير من الناس كتهديد.هل يملي السياسيون في واشنطن القواعد التي يجب على بقية العالم اتباعها؟ أم أن للإمبراطوريات منطقها الخاص الذي يجب أن يخضع له حتى أقوى الحكام؟
وهنا نرى أن الكثير من الباحثين والمفكرين يؤرخون لبداية الإمبرطورية الأمريكية من يوم 11 سبتمبر 2001. وهو تأريخ غريب بالنسبة لي، فرأيي كان ومازال أن الولايات المتحدة الأمريكية تحولت من قوة مؤثرة عالميا وامبريالية إقليمية إلى إمبراطورية عالمية منذ حرب العالمية الثانية، فهي وريث الإمبرطوريات الغربية المتداعية بعد تلك الحرب. لكن على العموم أختيار سلة معتبرة من المفكرين والباحثين لهذا اليوم كبداية لتحول الولايات المتحدة للنمط الإمبراطوري، له دلالته ومغذاه التي يجب التوقف أمامها.
يوم 11 سبتمبر 2001، يوم ضرب برجي مانهاتن التوأمين، حينما استولى انتحاريون على طائرات ركاب أمريكية وصدموا بها ناطحتي سحاب في نيويورك مما أسفر عن مقتل آلاف الأشخاص، كما حدث نفس الشيء تقريبا بالنسبة للبنتاجون، ولكن طائرة الركاب التي توجه بها انتحاري إلى مبنى البنتاجون اصطدمت بجناح خالي منه، كان يخضع للإصلاحات!!
لقد كان يوم كارثي على العالم أجمع، ليس فقط بسبب هول العملية وعدد ضحايها، ولكن لأنها كانت موجهة ضد وحدثت على أراضي القوة العظمى الأكبرعلى وجه الأرض في زمانها. وبالفعل فقد أعلنت واشنطن حرب ممتدة واسعة على الإرهاب، عدوها الرئيسي فيها هو التنظيمات الجهادية الإسلامية، تلك التنظيمات التي كانت قبل عشر سنوات الحليف الأول للولايات المتحدة الأمريكية في محاربة إمبراطورية الشر السوفيتية وإسقاطها خصوصا في افغانستان. تحول الحليف الأقرب إلى العدو الأول، وباسم محاربته شنت حرب عالمية رابعة ميدانها هو الكرة الارضية بأكملها، كان من أبرز نتائجها هو الاجتياح الامريكي لأفغانستان والعراق، ومن لا يحارب فيها بجانب الولايات المتحدة الامريكية فهو تلقائيا عدوها!!
ظهرت نظريات عديدة في كتب وأفلام حول عدم براءة حادثة 11 سبتمبر من المؤامرة، بدءا من أنه كان هناك تغافل متعمد تجاه هؤلاء الذين رتبوا وخططوا للعملية ونفذوها، إلى التدبير المقصود للعملية من قبل جهات أمريكية بذاتها، وذلك لتبرير الانطلاقة العسكرية الامريكية العالمية، وإخضاع العالم بأكمله تحت الحذاء الأمريكي..!!
نقرأ في كتاب "التاريخ الكامل للعالم" ما بمكن تسميته بمجمل الرد على نظريات المؤامرة بخصوص تلك الحادثة، وبيان ما بها من سخافة، حيث يورد الكتاب محاولة سابقة للمتطرفين المسلمين، عام 1994، لتحويل طائرة الخطوط الجوية الفرنسية بهدف جعلها تصطدم ببرج إيفل. وقد فشلت محاولتهم، لأنهم اضطروا إلى الاعتماد على الطيارين الفرنسيين الذين حطوا بالإيرباص في مارينيان حيث تمكن قوات التدخل التابعة للدرك الوطني (GIGN) من الانقضاض عليهم. واستنتج المتطرفون أنه كان عليهم تكوين طيارين. والواقع أن الانتحاريين الذين استولوا على الطائرات الامريكية قد قادوها بأنفسهم. وللطرفة، فقط حصل أحد الانتحاريين على الشهالدة الأمريكية لقيادة الطائرات بعد موته (1).
إذا فقد كانت فكرة تحويل طائرات مدنية (مليئة بالكيروسين عند إقلاعها) إلى قنابل، موجودة عند الجهاديين منذ زمن، وهي حتى ولو بدت لنا شاذة، لكنها فعالة. وقد ميعت الحرارة التي أحدثتها احتراق الأبراج هيكلها المعدنب وأذابته. وقد أصابت الدهشة حتى بن لادن نفسه. وقد حصل على 3000 قتيل وأثرا بصريا "صاعقا". وكان بن لادن، المتصل الجيد، في غاية الرضى: فقط اجتذبت الطائرة الأولى الكاميرات وتمكنت جميع التليفزيونات من أن تصور الصدمة الثانية بكل ارتياح(2).
لكن من ناحية أخرى تجد مقولة المؤامرة فيما حدث في 11 سبتمبر 2001 مبررتها في نظام المجتمع الأمريكي الديمقراطي نفسه، كما يذهب إلى ذلك بعض المحللين. فالمجتماعات الديمقراطية على وجه الخصوص أقل تعلقا بخوض المجابهات العسكرية، ولا تعد المشاركة في العمليات الحربية وسيلة لنيل الشهرة والشرف، بل هي تقيم الحروب وفق حسابات الربح والخسارة؛ أي وفق حسابات كثيرا ما تؤكد أن الحروب لا جدوى [اقتصادية] منها؛ فكلفتها تفوق عائدها في أغلب الأحيان. وعند إمعان النظر يلاحظ المرء بيسر أن الرئيس الامريكي الذي يتخذ قرارا بخوض الحرب لا يحظى بدعم المواطنين بسهولة، لذلك نجد السلطات الامريكية تتذرع بمسوغات ملفقة في كثير من الاحيان عند شن هذه الحرب أو تلك، فابتداء مما يسمى بحادثة تونكينج* عام 1964 – وهي حادثة استخدمت ذريعة لبدء الغارات الجوية على فيتنام الشمالية – ومرورا بزعم أن الجنود العراقيين قد قتلوا أطفالا كويتيين يرقدون في صناديق الحضانة – وهو زعم استخدمته الولايات المتحدة للتعبأة ضد العراق وشن حرب في الخليج عام 1991 – وانتهاءا بادعاء امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل وأنه يشكل تهديدا كبيرا بالنسبة إلى العالم الحر. لكن من أكثر تلك المزاعم خطورة وعلى صلة قريبة بمنطق هجمات سبتمبر، هو حينما وضع رئيس الأركان الأمريكي ليمان ليمنيتسر Lyman Lemnitzer، خطته المسماة نورثر وودز Operation Northerwoods، والقاضية بأن تٌشن هجمات إرهابية وتُجرى عمليات اغتيال للكثير من المواطنين المدنيين في شوارع المدن الأمريكية؛ بغية كسب تأييد المواطنين الأمريكيين غزو كوبا. كان الكشف عن هذه الخطة قد أجبر ليمنيستر على تقديم استقالته، إلا أن اعتقاد أن الإدارة الأمريكية لا تختلق التهديدات والمخاطر فحسب، بل تقوم بهجمات على مواطنيها أيضا، قد عٌزِّز منذ هجمات الحادي عشر أيلول/سبتمبر 2001، وأفرز الكثير من النظريات التي تؤكد أن الحكومة الأمريكية نفسها قد تآمرت على شعبها(3).
يمكن رؤية هذه الأكاذيب على أنها دليل يشهد أن السياسة الأمريكية لا تتصف بالمصداقية أبدا، وأنها تستخدم هذه الأكاذيب لاختلاق تهديدات ومخاطر تتذرع بها لفرض مصالحها وتوسيع رقعة سلطانها. ويمكن فهم الأسباب الهيكلية التي تُجبر الولايات المتحدة الأمريكية على اختلاق تهديدات ومخاطر؛ ففي النظام الليبرالي، تعتبر هذه الأكاذيب وسيلة ناجعة لكسب تأييد الرأي العام ولحفز المواطنين على مناصرة النظام الإمبراطوري. وبهذا المعنى، فإن تضليل الرأي العام من خلال الأكاذيب واختلاق التهديدات والمخاطر وسيلة لسد الفجوة القائمة بين مستلزمات الليبرالية ومتطلبات الإمبراطورية.
ولكن بصرف النظر عن توصيف طبيعة ما حدث في أحداث ايلول/سبتمبر 2001، فإنه من المفيد الآن بعد مرور 20 عاما على بدأ الحرب الأمريكية المعولمة ضد الإرهاب، إلقاء نظرة على مآلات تلك الحرب وحصادها. في افعانستان انهار النظام الذي عملت الولايات المتحده على أقامته لمدة 20 عاما في غمضة عين، وعادت طالبان للسلطة مكللة بنصر ساحق! العراق نعرف أحواله جميعا، ونرى كيف حولته الديمقراطية الامريكية إلى حطام وبقايا وطن. أما تنظيم القاعدة فهو لم يستمر فقط، بل ظهرت تنظيمات أكثر تشددا وعنفا وقسوة ودموية منه بمئات المراحل، ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي لم يكن لولا الفوضى الامريكية (الخلاقة) في العراق وسوريا، والملفت هنا أن هذا التنظيم لم يتم احراز نجاح في تحجيمه إلا بعد التدخل الإيراني الواسع في العراق والتدخل الروسي الواسع أيضا في سوريا، حرب الولايات المتحدة ضد هذا التنظيم لم تثمر بل وكان تنظيم الدولة يتمدد في ظلها، قبل التدخل الروسي والإيراني. المشكل الأكبر أن تنظيم الدولة لم يعد مستوطنا في العراق وسوريا فقط، بل استوطن أيضا بشكل واضح وصريح في اليمن وليبيا ومصر وحتى نيجريا، بل وفي افغانستان نفسها..!! هذا ولم تسلم قارة من قارات العالم، سوى أمريكا اللاتينية حتى لحظة كتابة تلك السطور، من عملياته الدموية المرعبة....
لا مكان الان وهنا لفتح المزيد من ملف الحرب الأمريكية ضد الارهاب وحصادها، لكن ما نستطيع أن نراه بوضوح أمام أعينا أن الإمبراطورية منهكة ومستنزفة وتعمل على تغطية انسحبها العسكري العالمي بمختلف الوسائل، وتعويضه بحضور أخر أٌقل كلفة حتى تشتري زمن اخر تضيفه إلى عمرها..!!
(١) جان كلود باور – غيوم بيغو، التاريخ الكامل للعالم، ص 334.
(٢) المصدر نفسه، ص 335.
* تونكينج: خليج يقع في فيتنام الشمالية. والمقصود بهذه الحادثة هو زعم إدارة ليندون جونسون أن فيتنما الشمالية قد شنت في آب/أغسطس 1964 هجوما على السفينة الحربية الأمريكية مادوكس Maddox. وكان بعض موظفي البنتاجون قد كشفوا لاحقا أن الأمر كذبة تذرعت بها الإدارة الأمريكية لقصف فيتنام الشمالية.
(3) هيرفريد مونكلر، الإمبراطوريات: منطق الهيمنة العالمية، ص 277 - 278.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق