الصفحات

الخميس، 4 أغسطس 2022

مصطلحات سيئة السمعة.. 1- الإصلاح الاقتصادي

  

مصطلحات سيئة السمعة.. 1- الإصلاح الاقتصادي

                                                   شادي عمر الشربيني       

                                           

  في خطابه بمناسبة الذكرى السبعين لثورة 23 يوليو كان العنوان الرئيسي الذي تصدر الجرائد هو.. الرئيس السيسي: جهود الإصلاح الاقتصادي ساهمت في الصمود أمام التحديات العالمية.

  إن مصطلح الإصلاح الاقتصادي في حياة المواطن المصري البسيط، الذي يشكل البنية الرئيسية والسواد الأعظم لهذا الشعب، أتى دائما مصحوبا بموجات الغلاء وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية وتراجع في مستويات المعيشة. فالإصلاح الاقتصادي في مصر كان مرادفا لتقليص الدولة المصرية بنود انفاقها على مختلف الخدمات والسلع المقدمة للجماهير، فحل الأزمات المالية وانخفاض موارد للدولة لا يكون عن طريق زيادة تلك الموارد وتنميتها، بل أصبح يتم عن طريق الاقتطاع من الدعم الذي تقدمه للجماهير يتبعه زيادة أسعار وتكلفة الخدمات الاساسية، أو في الخطوة واللمسة الأخيرة تخارج الدولة جزئيا ثم كليا من القطاعات الاقتصادية والخدماتية وترك الطبقات الفقيرة والمتوسطة نهبا لقوى السوق، حيث تصبح الجماهير فريسة سائغة بين أنياب تلك القوى، وما يتبع ذلك من إفقار متزايد للمصريين.

  لقد كان دائما المضمون الرئيسي لما يسمى بالإصلاح الاقتصادي، هو تصفية الملكية العامة والقطاع العام، وترافق مع ذلك انهيار مستمر ومستدام للبنى والقوى الإنتاجية في مصر، فتحت شعار الخصخصة تم ويتم تدمير شركات القطاع العام وتصفية قلاع مصر الصناعية والتقنية. كان دائما حصاد هذا البرنامج زيادة منسوب التبعية الاقتصادية والسياسية لمصر، وانهيار عملتها الوطنية، وتدمير اقتصاد وطني قائم على العمل الحقيقي المنتج الجاد لصالح أنشطة السمسرة والاعمال الطفيلية واقتصاديات الترفيه والتخديم على المركز الرأسمالي الغربي و/أو الخضوع لقوى الريع النفطي والمنظومة القبائلية البترودولارية في المنطقة. وهكذا تم ويتم توجيه الضربات القاصمة، وأرجوا ألا تكون القاضية، لقيادة مصر الإقليمية ومكانتها الدولية وتأثيرها العالمي.

  كان قيام مصر الناصرية بعد نجاح حركة الضباط الاحرار في الوصول للسلطة في 23 يوليو 1952، هو الذي أعطى تلك الحركة بعدها ومعناها الثوري العظيم. فمصر الناصرية اتجهت إلى سياسات التمصير وتخليص الاقتصاد من سيطرة الأجانب، فأي استقلال سياسي هو مفرغ من أي معنى طالما ظلت السيطرة الأجنبية هي الغالبة والمتحكمة في أغلب القطاعات الاقتصادية، ويتم نزح نتاج العمل وموارد البلاد للخارج. ثم إن الدولة في مصر الناصرية راحت تزيد من تدخلها في الاقتصاد وإعادة توزيع موارده لصالح الأغلبية العاملة والمعدمة من الشعب. ومع سقوط رهان النظام الجديد في مصر على قيام رأسمالية وطنية نشطة، تنهض بالعملية التنموية في مختلف القطاعات، كان الذهاب إلى التأميم والعمل على تركيز جزء كبير من الثروة، وليس كلها، في يد الدولة ليتم توجيهها لبناء اقتصاد وطني متقدم صناعي وحديث يصب نتاج العمل فيه، إلى حد كبير، في أيدي القوة العاملة، وليس الملاك والمنتفعين. أسفرت تلك الإجراءات عن توسيع الملكية العامة ونشأة القطاع العام بقلاعه الصناعية الرائعة وقيام شركات كبيرة تعمل في مختلف قطاعات البناء والخدمات، بحيث شكل القطاع العام القوة المجتمعية والاقتصادية الأولى، وكان هو الرافعة الرئيسية للتنمية والتحديث الشامل في مصر. كان وجود قطاع عام قوي هو الذي مكن مصر من امتصاص ضربة 1967 المدمرة وإعادة بناء الجيش على أحدث المستويات والكفاءة العملية والقتالية ومن ثم إمكان تحرير الأراضي المحتلة، كما أن هذا القطاع هو الذي جعل من التنمية عملية مستمرة وقائمة حتى أثناء سنوات الحرب القاسية، حيث استطاعت مصر استكمال بناء السد العالي، الذي اختارته الهيئة الدولية كأعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين، واستكمال مجمع الألمونيوم في نجع حمادي وغيره من عشرات المشاريع الصناعية والتنموية في مختلف ارجاء مصر. ومن ثم كان تفكيك القطاع العام وإنهاء وجوده هدف أساسي ومركزي للأمريكيين والصهاينة وقوى السيطرة الغربية بنحو شامل.

 


  لقد نشأ وبدأ ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي في قلب الثورة المضادة التي قادها الرئيس السادات، واستمر وتطور في ظل الرئاسة الثلاثينية لمبارك، حيث لم يكن في جوهره إلا تفكيك وتدمير القطاع العام، وتجريد المجتمع من قواه الإنتاجية والتقدمية وإعادة السيطرة الأجنبية على الاقتصاد وتصفية إمكانات قيام نمو حقيقي ومستدام لمصر. ذلك مفهوم تمامًا ضمن خطة سلب مصر استقلالها السياسي الذي انتزعته بعد 1952 وإنهاء قيادتها الرائدة للحركة الوحدوية التقدمية على طول العالم العربي، وتقزيمها وحصرها داخل حدودها، بل والسيطرة على والاقتطاع من تلك الحدود ذاتها.

 

  لقد شهدنا جميعا أن الرئيس السيسي ما هو إلى امتداد للسياسات التي دشنتها المرحلة الساداتية، حيث الاستمرار في تصفية القطاع العام وتدمير قوى مصر الصناعية الكبرى كما حدث أخيرا في التصفية النهائية لمصانع الحديد والصلب في حلوان وما يحدث حاليًا من تصفية مصنع الكوك، ثم إغراق مصر في وربطها من العنق بسلاسل الديون التي تبتلعها مشاريع محدودة، أو حتى معدومة، العائد ولا تضيف شيء إلى القوى الإنتاجية في مصر. يحدث ذلك وسط ارتفاع مستمر للأسعار، مثلاً ارتفع سعر تذكرة مترو الانفاق 19 مرة في عهد الرئيس السيسي حتى وقت كتابة هذا المقال، وتوسيع دائرة الفقر وانخفاض مستويات المعيشة للأغلبية في بر مصر. ثم يأتي خطاب الرئيس عن دور الإصلاح الاقتصادي في الصمود أمام التحديات العالمية..!!!!


  عشرات السنين مرت على بدأ برنامج الخصخصة وتفكيك القطاع العام وتصفية الملكية العامة، وهي مدة زمنية أكثر من كافية لقياس نتائج هذا البرنامج وحصاده، ولكن لا أجد حتى الآن دراسة قامت بها أيا من مؤسسات الدولة للكشف عن ذلك.. ما مصير الشركات التي تم خصخصتها؟؟ هل استطاعت الرأسمالية المصرية تعويض مصانع ومعامل القطاع العام وقواه الإنتاجية؟؟ هل استطاع الاستثمار الأجنبي تعويض ما تم تفكيكه وتدميره من بنى اقتصادية ذات ابعاد تنموية وتقدمية بل وخدمية واسعة؟؟!!

  أسئلة لا يريد أحد الإجابة عليها داخل الدولة المصرية.. لأن أي إجابة حقيقية تعني على الأقل وقف مسلسل الإهلاك والسحق والتدمير المستمر حتى الآن تحت لافتة الإصلاح الاقتصادي!!

 

هناك 3 تعليقات:

  1. الف تحيه علي هذا التحليل الموضوعي والحقيقي هذا هو حالنا من وقت السادات الي السيسي دوله للافساد الاقتصادي

    ردحذف
    الردود
    1. شاكر وممتن جدا لاهتمامك وتعليقك البديع.. خالص احترامي وتحياتي

      حذف
  2. رائع، ويا رب نهاية قريبة لدولة الكامب.

    ردحذف